هدية مريم


مريم العذراء بنت عمران، إمرأه ذكرها الله في كتابه الحكيم القرآن واصطفاها على نساء العالمين فقصتها في التوراة والإنجيل وفي مختلف الشرائع والتعاليم ويتحاكى بها الناس كالمعجزة التي جعلها الله آية لنبيه ورسوله المسيح عيسى بن مريم عليه السلام.
موضوعنا عن جانب من قصتها الخاص بالمسيح عيسى عليه السلام وكيف رزقها الله بتلك المعجزة وكيف كان الحال أن ذاك وأين حدثت تلك المعجزة.
فلنبدأ بعرض آيات الكتاب من سورة مريم والآيات 16 إلى 34 التي قصَّت علينا ذلك الحدث الجليل
 بسم الله الرحمن الرحيم
( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا ) ( فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ) ( قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا ) ( قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ) ( قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ) ( قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا ) ( فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا ) ( فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا ) ( فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ) ( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ) ( فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا ) ( فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ) ( يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ) ( فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ) ( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ) ( وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ) ( وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ) ( وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ) ( ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ )
صدق الله العظيم
و إذا رجعنا إلى كتب التفسير و المرويات في الأحاديث نجد أن القصة كما يعلمها الكثير من العامة تحكي قصة سيدة عذراء تقية ابتعدت عن أهلها وكانت في مكان ما باتجاه الشرق بعيد عن مكان سكنها و بعيد عن أهلها في بين لحم والقدس وجائها رسول من الله في هيئة إنسان ليمنحها جنين كهبة من الله في رحمها و إذ بها تحمله في أحشائها وتبتعد أكثر بحملها خوفا من أقاويل أهلها و قومها من كونها قد تحمل سفاحاَ، و يمر الزمن و يأتي موعد الولادة وهي بجوار جزع نخلة و تشكي حالها و تتمني الموت وأن ما حدث لها من أهوال حمل وولادة تزول وكأنها لم تكن تحدث، وتلد مريم ابنها عيسى و فور الولادة يكلمها من تحتها و يطمئنها بأن الله منحها غلام عالي المقام وأن تتعايش وتهز النخلة و تأكل الرطب المتساقطة و تبدأ بالصيام عن الكلام. وحين عادت لأهلها وتحمل طفلها بين يديها بدأ قومها في التساؤل والاستنكار عن كيف لأمرأه تقية بنت ابوين لهم سمعتهم الطيبة أن يكون لها طفلا بدون زواج فإذ بعيسى عليه السلام يتكلم ويعلم العامة أنه رسول من الله نبياَ وبدأ التبشير بأن عيسى من المباركين والمقيمين للصلاة والزكاة وبر بوالدته وأنه رحيم علي الناس من يوم ولادته إلى موته وبعثة مجددا حيا وأن ذلك هو قول الحق.
القصة مثيرة جداً وتملأها العاطفة والمشقة والابتلاء من الله والإيمان والمعجزات ولكن ألا ترون أن القصة كما حكيت من تفاسيرها يوجد بها بعض بل كثير من التساؤلات وأنها تفتقد كثير من التفاصيل التي قد يغير المقصد تماماً.
فلنبدأ ببعض التساؤلات.
1.      أين هو هذا المكان الشرقي الذي كانت به مريم عندما جاءها رسول الله؟
2.      من هو الرسول الذي تمثل كإنسان وأتى إلى مريم وهي بعيده عن أهلها؟ وكيف وضع الجنين في رحمها؟
3.      كيف كانت مدة حمل مريم وكيف عاشت في تلك الفترة؟ ومن رعاها حين جاءها الام الولادة وأثناء الولادة؟
ودعونا نعود لآيات الكتاب مجدداً ونتدبرها وكما ترون أن مريم انتَبَذَتْ وبعدت عن أهلها الذين يسكنون على مقربة من مدينة القدس تسمي بيت لحم وذهبت لمكان شَرْقِيًّا اتجاه ما يسمى حاليا بالبحر الميت وحدود دولة الأردن وكانت وحيدة وحجبت نفسها حِجَابًا واستترت حتى لا يراها أحد من أهلها، فأرسل الله سبحانه رسول منه رُوحَنَا وعلى هيئة بَشَرًا مكتملاً و لم يختلط على مريم هيئته وخاطبته كذكر وقالت له لفظ مِنكَ وذكرته و نفسها بالله الرحمن اتقاء لبعضهما البعض كونهم في مكان نائي خشية أن يتعرض لها بالأذى، فإذا بالرسول يطمئنها ويقول لها أن الله أرسله رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا وليعطيها هدية منه غلاما رفيع المستوى، و نلاحظ قوله تعالى لِأَهَبَ و غُلَامًا أي أنه جاء معه الغلام ليهبه ويعطيه لها كهدية من الله خاصة لها لترعاه وتربيه حتى يكبر ويصير فتيا، فلم يقل سبحانه الرضيع أو الطفل أو الصبي بل قال الغلام أي أنه في قرابة ما بين الست إلي عشر سنوات من العمر ومن المنطقي أن كلا من الرسول و الغلام لم يكونا عاريان بل كانا مستوران بلباس يستر العورات، فاذا بمريم تستفسر مجددا عن كيف لها أن تتحمل رعاية غلام وهي لم يسبق لها الزواج و لم تحمله في رحمها و لم تلده و قالت لم يَمْسَسْنِي بشر، فإذا بالرسول يطمئنها مرة أخرى و يقول لها أن إجابة تساؤلها معه مسبقا و أن الله سيرعاكم و سيجعله آية و أن قضاء الله نافذ وانصرف الرسول فَحَمَلَتْهُ وتعني أن مريم حملت مسؤولية الغلام الصغير ومشيت لمكان أخر قَصِيًّا بعيداً أكثر عن أهلها و أثناء سيرها فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ أي أن اعترض طريقها نهر ضحل و اضطرها لتغيير مسارها و صلت إلى نخلة لتستظل بها وليس كالمفهوم الدارج أنها أحست بألآم لما قبل الولادة و أن حان موعد ولادة عيسى. وحينها وقفت واشتكت حالها وتمنت أنها لم تمر بتلك التجربة القاصية التي لا تعلم إلى أي مدى نهايتها. فإذا بالغلام من تَحْتِهَا يناديها أي كان واقفاً وأقل منها طولاً يطمئنها وإن لها اليد العليا عليه وأنه سَرِيًّا وذو قيمة رفيعة المستوى وأرشدها لتهز النخلة ليساقط عليها رطب البلح فتأكل وتهدأ ولا تشغل بالها بالبشر ولا تكلمهم. وعادت مريم لقومها تحمل مسؤولية الغلام عيسى عليه السلام وإذا بما تنبأته قد حدث واتهمها قومها بمن أين لها بذلك الصبي فَأَشَارَتْ وهي صائمة عن الكلام إلى الغلام مما دعا قومها أن يهزؤوا ويستنكروا أن يأخذوا بيان الحال من الغلام الصغير، فإذا بعيسى الرسول النبي عليه السلام يرد عليهم قولا بأنه عبد من عباد الله وأن معه كتاب ورسالة لهم من الله وإنه قائم مصلي مزكي دوام باقي حياته وباراً بوالدته وراعيته و أنه معه الرحمة وليس من الجبارين الظالمين، والوالدة في المعجم تعني الكثير فمنها الأتية به و الراعية وهما الأقرب لحالة كونه تحت رعايتها و من أُهدَى لها كهدية من الله، وأضاف عيسى بيانا لقومة انه وُلِد وكما ورد بالمعجم نجد الكثير من المعاني منها أُنشئ و صار في هيئته كما يرونه و أن له يوم وسيموت وسيبعث مجدداَ حياً. ويقول سبحانه أن عيسى ابن مريم أي لها كهدية منه وخاصتها وراعيته وشبيهها وغيرها من كثير مما تعنيه كلمة ابن حسب المعجم غير كونه من رحمها وفي ختام القصة أن ما روى في القرآن هو القصص الحق لمن على خلاف أو لديه مفهوم أخر.
وخلاصة القصة في سورة آل عمران أية 59 (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) وهو أن عيسى عليه السلام خُلِق من التراب مثل أدم عليه السلام وأن كلاهما لا أب ولا أم لهما بالمفهوم البيولوجي الذي يتخيله العامة.
وأترككم في رعاية الله.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تقويم التقويم الهجرى

الشروق و الغروب و تصحيح المواقيت

ادم