يخافون الحقيقة لأغراضهم الدنيئة
منذ أن بدأت المعارف في الانتشار والإنسان
يسعى إليها حباَ واجتهادا رغبة منه في التعلم والتثقف وتوسيع مداركه، ومنذ أوائل
المجتمعات حتى عصرنا الحالي سنجد أن البحث عن الحقيقة هو الفضول الفطري الذي منحه
الله كنعمة منه لجنس البشر كافة منذ أن عُلِّم أدم الأسماء كلها. وعلى ذلك عكف
الناس على اختلاف مقدرتهم واحتوائهم لتلك النعمة بالتدبر والتأمل والتفكر في خلق
الله وحركة وثبات الأشياء وبدأ بالسؤال الأول "لماذا" وحاول البحث عن
الإجابة لإشباع ما بداخله من فضول حميد والتعرف على ما يحيطه من كافة المحددات وكان
كل من تفوق بالحصول على قدر أكبر من العلوم بالعلماء كصفة تمييز لما يقدموه للبشر
من إجابات عن السؤال الأول "لماذا" وعرض كيفية استخدام المتاح وتطويعه
لما يناسب الإنسان في تحسين أحواله ومداركه وخبراته بطرح السؤال الثاني
"كيف" والإجابة أيضا عليه.
واستمر الحال إلى أن بدأ الإنسان بالشعور الظني بالامتلاء، والإحساس بأن
القدر الذي حصل عليه كافي ليجعل يومه يسير على نحو منتظم بقدر ما وتبدأ مرحلة
تدهور المعرفة ولا يكترث بالجديد والأسالة الجديدة التي يطرحها العلماء والإجابة
عنها ولا يهتم بزيادة قدر علمه الخاص لانشغاله بأحواله المعيشية، وتزامنا مع تدهور
المعرفة ينتشر ثبات مستوى العلوم في أذهان وعقول الناس على القدر الذي تحصلوا عليه
بالرغم من العلوم الكثير المتاحة.
ثم إذ بالإنسان ينتبه ويشعر بالفجوة الحضارية
التي أصابته حين يبدأ بالتعرف على أسلوب حياة الأخرون أو المجتمعات الأخرى، ويرجع
لذلك لحاجته لأسلوب أفضل يتيح له إنجاز العمل بشكل أكثر تنظيما أو بكفاءة أعلى
فيبدأ بالبحث عن الجديد، ولكن ليس الكل كهؤلاء، فيبقى البعض على المستوى الأدنى من
العلم قانعاَ ظناَ منه بالرضا، ولقلة الوعي والجهل وتدهور حضور مجالس العلوم تظهر
علامات الرفض للتغيير والتمسك بالماضي وتبدأ قدسية الأشياء في التغلب على الفكر
العطب.
في مراحل التدهور للمعرفة تظهر ثلاث طوائف
واضحة، الأولى المتحمسة لمتابعة التطوير والتقدم لحرصها على حسن استغلال المقومات
والموارد والثانية اللاواقعية التي لا تجد سبب للتعديل وترى الوضع الحالي هو أنسب
ما يتمناه أي إنسان فهم كسالى بلا أهداف والثالثة هي الرافضة للتعديل وتراه إضاعة
وقت ومال وسفه وحداثة وأن يجب أن نعود لتطبيق الماضي بما فيه من بساطة واعتدال.
فتنشأ الصراعات الفكرية بين الثلاث طوائف وتجد كل طائفة تدافع عن الأسباب وراء ما
وصلت إليه من نتيجة.
أما الطائفة المستترة الرابعة هي المتفرجة
على كافة الحراك، هي من تجد أسواق جديدة في كافة الأحوال فلا يهمها تحسن حال
الأغلبية بل يهمها تحسن حال الأقلية، حالهم هم فقط هو الأهم ومن يدعمهم ويساندهم،
فلا يهمهم التنوير وحقائق الأمور بل يخافون على أنفسهم من انكشاف حقيقتهم هم كونهم
منافقين. أسواقهم على كافة الأصعدة ومنها الدينية، فيبيعون الكذب لأرباح دونية
ويتربحون من العراك وضياع الحقوق للبعض لتحقيق مكاسب لهم وترقية.
الزمن يمر والركب يسير وعلينا اللحاق، علينا
أن نكثر من الطائفة الأولى عدديا ونصير أغلبية حتى تتقلص الطائفة الثانية وتجد
الواقع في التطوير وتنتهي الطائفة الثالثة لأنها سلبية وتعطل حركة التطوير، أما
الطائفة الرابعة هي العدو الحقيقي الصامت الذي علينا أن نكشفه ونواجه ونقضي عليه
فكريا وماديا إن صح التعبير.
تعليقات
إرسال تعليق